القسم الأول : فصول حول العلاقة بين الفكر والفعل
فهرس المقال
- القسم الأول : فصول حول العلاقة بين الفكر والفعل
- القلب والروح في تراث[16] الأستاذ
- هو قطعة من قلبه، ونسمة من روحه
- لسان القلوب
- ظلام يسيطر على الأرواح
- حياة القلب والروح
- يا براعم الأمل!
- البشرية الحائرة
- أولا: فشل الأيديولوجيات
- ثانيا: موت الموت
- ثالثا: نهاية النهايات
- رابعا: ما بعد المابعد
- دور العالِم
- النظرية، المصطلح والمفهوم
- الصفحة 15
- الصفحة 16
- إخفاق الفزيائيين، وطبيعة ذلك
- إخفاق الفكر الغربي، وسقوط الأيديولوجيات التوتاليرية
- تفرد الفكر الإسلامي بإمكانية تحقيق السعادة البشرية
- أين الأستاذ فتح الله في هذا السياق؟
- الوحي وسعادة البشرية
- المنجزات العلمية
- خلافة الله في الأرض
- الصراع الموهوم بين العلم والدين
- الرؤية الكونية، ومصدر الحقيقة المطلقة
- ليس المقصد التهوين من شأن العلم المادي والتقنية
- فما هو المقصد المعرفيُّ المنهجيُّ، إذن؟
- وظيفة العلم، ونظرية كلِّ شيء
- الإسلام كلّ... كلٌّ يستحيل تجزُّؤه
- جميع الصفحات
النظرية، المصطلح والمفهوم
وظَّف الباحث مصطلح "النظرية"، لا لكونه الأنسبَ والأليقَ بما يحويه هذا المقال؛ لكن لكونه الأكثر تداولا في الدوائر العلميَّة من جهة، وللنسبة التي فرضته فرضا أي "نظرية كلِّ شيء" من جهة ثانية؛ وإلاَّ فمصلطحا "البراديم، والنموذج"[60]، هما الأكثر دلالةً في سياقنا هذا؛ علما أنَّهما يتضمَّنان النسبة إلى "كلِّ شيء" أساسا، ولا حاجة للتخصيص، فلا يستساغ اصطلاحا أن يقال: "براديم كلِّ شيء" أو "نموذج كلِّ شيء"؛ وإلاَّ حصل نوع من التكرار بين مضمَر ومظهَر.
أمَّا مفهوم "النظرية" في هذا المقال، فهو يتجاوز المفهوم الفلسفيَّ، الذي طرحه "لالاند" مثلا، مِن أنها: "إنشاء تأمُّليٌّ للفكر يربط نتائج بمبادئ"[61]، فهذا التعريف يجعل النظرية في تقابل مع الواقع؛ أمَّا في بحثنا هذا فنربط العلاقة بحبل متين بين "النتائج والمبادئ" من جهة، و"الواقع وخطِّ الزمن" من جهة أخرى؛ مستندين إلى دلالة العلم في الفكر الإسلامي، هذه الدلالة التي تربط بين العلم والعمل بلا هوادة ولا توانٍ، وترفض كلَّ شكل من أشكال الفصل بينهما؛ وهو ما يتجاوز مجرَّد النظر العقلي الخالص.
والتعريف الأكثر ملاءمة للنظرية أو النموذج أو البراديم في بحثنا، هو أنها "بنية فكرية تصورية يُجرِّدها العقل الإنساني من كمٍّ هائل من العلاقات والتفاصيل؛ فيختارُ بعضها ثم يُرتِّبها ترتيبًا خاصًّا، أو يُنسِّقها تنسيقًا خاصًّا، بحيث تصبح مترابطة بعضها ببعض ترابطًا يتميَّز بالاعتماد المتبادل وتشكل وحدة متماسكة يُقال لها أحيانًا عضوية"[62] ومن ثم ينطلق صاحب النظرية من نظريته بغية تشكيل الواقع وتغييره والتأثير فيه بناء على النموذج، ومِن هنا جاءت أهمية هذه النظرية، وضرورتها، وأولويتها.. في كلِّ بناء فكريٍّ عميق.
والمنهج المتوخَّى في فهم فكرِ صاحب النظرية، أو محاولةُ تمثُّله، هو استيعاب نظريته والعمل وفقها، وبالتالي -من الناحية الوظيفية- يكتسي هذا الفكر -بفضل النظرية- صفةَ العالمية والشمولية، والتجاوز على الزمان والمكان، أمَّا إن افتقد هذا البناء النظريّ وهذا النموذج المنهجيّ، فسيتحوّل إلى حالة زمنية مكانية ظرفية، لا يمكن استيعابها، ولا إعادة تمثُّلها، فتفقد صفة الدوام والصلاحية لكلِّ زمان ومكان ضرورة.
وللنظرية أو النموذج عدَّة خصائص، منها الشمولية لكلِّ جوانب الموضوع، والقدرةُ على التفسير، وعدمُ التناقض، وهي ليست الواقع بعينه، بل هي الصورة المطلوبة للواقع...
ولا بدّ من التنبيه إلى انزلاق منهجيٍّ خطير، وهو أنَّ الهيمنة المعرفية المادية اليوم، من جهةٍ، وضعف التوجُّه التوحيدي معرفيًّا من جهة ثانيةٍ، فرَضَا علينا انهزامًا مفهوميًّا مسبقا؛ حتى إنَّنا لنستكثر على "محمد" أو "إبراهيم" أو "عبد الله" أو أيَّ اسم له صلة بالإسلام أن يكون له "نظرية"، أو ينسبَ إليه "نموذج"؛ أمَّا إذا تعلَّق الأمر بـ"جون" أو "جاك" أو "شيمون"، فهم أهلٌ لأن يُنسبوا إلى الإبداع، وتنسبَ إليهم علوم ونظريات واختراعات[63]... ولا بدَّ أولا أن نعالج هذه الظاهرة على مستوى انهزامنا الذاتيِّ، قبل أن نخاطب بها العالم الخارجيَّ[64]. وهذا ما أعتمده في مقالتي هذه، فهي تعلن بوضوح ودليل أنَّ لفتح الله كولن "نظرية" شمولية كلية متخذة من الوحي منطلقا ومصبًّا، كما أعلنتُ قبلُ أنه صاحبَ "براديم" مختلف هو: "البراديم كولن"، مع احترام العلم والمنهج، وتوخِّي الدقَّة والحذر بالطبع.
- تم الإنشاء في